العصبية عند الأطفال تربتط بعوامل وراثية وعضوية وأخرى نفسية
عمان– يؤكد خبراء في مجال التربية وعلم النفس أن عصبية الأطفال مرتبطة بشكل وثيق بشعورهم بالعجز والعداوة نتيجة الحرمان من الدفء العاطفي في الأسرة. وينوهون إلى وجود أسباب عضوية وأخرى نفسية تؤدي إلى سرعة استثارة الطفل وعصبيته.
وتشير الدراسات إلى أن بعض الأطفال يكتسبون العصبية من خلال الجو المحيط بالمنزل فإن رأى الطفل والديه أو أحدهما يعاني من العصبية والتوتر فإنه يحاول تقليدهما.
وهذا ما يذهب دكتور الإرشاد والصحة النفسية د. عامر المصري إلى أن 70% من عصبية الأطفال تكتسب بيئيا بسبب التقليد للوالدين. وهذا يندرج في إطار “النمذجة” حسب علم النفس التربوي.
وتؤكد دراسات حديثة أن عصبية الأطفال عبارة عن سلوكات مكتسبة ومتعلمة أكثر منها عوامل وراثية.
ويتميز الطفل العصبي، بحسب المصري، بعدم الاستقرار والشرود الذهني وسهولة الاستثارة من أي موقف بسيط فنجده يضحك كثيرا أو يعصب كثيرا، وتظهر عنده أساليب عدوانية تجاه الآخرين ونحو الذات.
وتتمثل الأساليب الموجهة للآخرين تعرض الطفل لزملائه وضربهم والتشاجر معهم وتدمير ممتلكاتهم. في حين نجده يقضم أظافره ويعض الأقلام ويمص أصابعه، ويحك فروة الرأس لدرجة إحداث جروح كنوع من الأساليب العدوانية تجاه الذات.
ويشير التربوي د. توفيق الرقب إلى إن مهمة الوالدين تنحصر في محاولة الوقوف على أسباب هذه الظاهرة وفهمها ومن ثم مساعدة الطفل للخلاص منها.
وتربتط عصبية الأطفال، بحسب مهتمين، بعوامل نفسية وعضوية وأخرى بيئية تربوية.
ومن جانبه يربط المصري عصبية الطفل بعوامل عضوية وأخرى نفسية. ومن العوامل العضوية اضطرابات الغدد خاصة الغدة الدرقية ومشاكل في المعدة وسوء الهضم، الزوائد اللحمية الأنفية التي تجعل الطفل غير قادر على أخذ حاجته من النوم ولا يتلقى الكمية الكافية من الأكسجين، تضخم اللوزتين، الصرع.
وترتبط العصبية كذلك بالنمو العقلي، فإذا كان لدى الطفل ضعف عقلي يؤدي إلى إحساسه بأنه غير قادر على مسايرة زملائه في المدرسة فيشعر بنوع من الضيق الشديد، كما أن الطفل العبقري يشعر بالاختلاف عن أقرانه بالمدرسة ويشعر بالملل عند شرح المعلم لنقطة واضحة وهذا لا يحقق التواصل بينهما ويجعل ردود فعل الطفل سريعة.
ومن العوامل النفسية التي تقود إلى العصبية، كما يقول المصري، تسلط كل من الأب والأم ومحاولة سيطرتهما على الطفل وعدم إشعارهما له بالأمان، فيبدأ بالتمرد والشعور بالعصبية، الحرمان من الدفء العاطفي وينتج عنه شعور بالعداوة والعزلة والعجز.
في حين يؤكد الرقب على أن عصبية الأطفال مردها قسوة الآباء على أبنائهم. ويقول “كما أن التفريق بين الأبناء الكبار والصغار الذكور والإناث المجتهدين وقليلي الاجتهاد، يؤدي إلى حالات عصبية لدى الأطفال، إلى جانب الخلافات بين الرجل والمرأة إذ ان الصراخ العالي والسباب أمام مرأى ومسمع الأبناء له مخاطر سلبية كبيرة على تركيبهم النفسي، فيشعرون بعدم الأمان وعدم الراحة والقلق”.
ويضيف “فالأب العصبي في تصرفاته يعلم أطفاله هذا السلوك والأم العصبية الثائرة دائما تعلم أولادها هذا السلوك، وبالتالي فان الطفل يتعلم ويقلد من حوله”.
ويرد الرقب العصبية إلى حرمان الطفل من الدفء العاطفي وعدم إشباع حاجاته بالحب والحنان والانتماء والقبول، وسطوة الآباء وسيطرتهم على أبنائهم بطريقة متجبرة والتفريق المنحاز بين الأبناء، تناقض البيئة بما ينطوي على الغش والخداع فالآباء يعدون أطفالهم ثم لا يوفون بوعودهم.
في حين يؤكد استشاري أمراض الدماغ والأعصاب د. احمد شهاب أن الطفل بطبعه حساس للعلاقات الاجتماعية المحيطة به وبخاصة علاقة الوالدين، ففي حال كانت هذه العلاقة متوترة فإن الطفل يعبر عنها سلوكيا من خلال بعض الحركات الزائدة. ويشرح “فيظهر التوتر عنده على شكل شد على الأسنان وبخاصة أثناء النوم”.
ويؤكد على أن العصبية ليست لها علاقة بشكل مباشرة بعوامل وراثية، مبينا أنها ترتبط بأمراض نفسية كالوسواس القهري والذهان وغيرها.
وفي مثل هذه الحالات ينصح باستشارة الطبيب النفسي للوقوف على الحالة ومعالجتها لحماية الطفل من التوتر المتكرر.
ومن الأسباب العضوية التي تقود للعصبية ولها علاقة بالوراثة، كما يقول شهاب، مرض الصرع الذي يؤدي إلى اضطرابات سلوكية وعصبية ومسلكية حسب إصابة الفص الصدغي.
ويزيد “كما أن الأطفال الذين يعانون من صعوبات تعلم وعلى رأسها مرض التوحد استثارتهم وردود أفعالهم العصبية كبيرة”.
ويدعو شهاب إلى تشخيص المشاكل الاجتماعية وتحقيق التوازن في التربية ومراعاة مصالح الأطفال ومشاعرهم وحاجاتهم من الحنان والرعاية وإفساح المجال لهم للتعبير عن الذات وزيادة ثقتهم بأنفسهم.
في حين ينصح المصري الأهل بضرورة التركيز على المظاهر العصبية عند الطفل للتعرف على ماهية الحالة واكتشاف السبب ومن ثم المعالجة.
وفي حال كان السبب نفسيا يؤكد على أهمية تحديد الحاجة التي يعاني منها الطفل وتقديره والتقليل من تحقيره وعدم ممارسة القسوة الزائدة أو الدلال الزائد، وإعطائة المساحة الكاملة بالشعور بفرديته.
ويدعو المصري إلى زيادة اختلاط الطفل مع الاقران بألعاب اجتماعية مبرمجة كونها تشكل له نوعا من التنفيس. ويطالب الوالدين بمراقبة أنفسهم وألا يظهروا عصبيتهم أمام الأطفال.
من جانبه يطالب الرقب بعدم التفريق بين الأبناء في المعاملة أو تفضيل الذكور على الإناث، وإفساح المجال أمام الأطفال في المخالطة والتعاشر الاجتماعي مع أصدقائهم وتفريغ طاقاتهم وإفساح المجال لنمو شخصياتهم اجتماعياً.
ويحذر من التدخل في شؤون الأطفال وترك فسحة الحرية لهم لتدبير أمورهم، والسعي ما أمكن لإشباع الحاجات السيكولوجية والعاطفية لهم.
ويدعو الأهالي إلى تشجيع الأطفال على الإبداع وعدم السخرية من الطفل الموهوب أو المبدع وفهم سيكولوجيته وتوفير مستلزماته وحاجاته العملية الإبداعية لكي يتطور.
تعليقات
إرسال تعليق